عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 06-03-2016, 06:45 PM
بثينه عبد الحميد بثينه عبد الحميد غير متواجد حالياً
Member
 
تاريخ التسجيل: Mar 2016
المشاركات: 91
افتراضي الفتح الرمضاني في الأخلاق والسلوك ..الدرس الخامس : الفتح الروحي

تابع الفتح الروحي
ماذا تكسب الروح من عالم الدنيا :

الآن ننتقل إلى نقطة ثانية : إذا علمنا بأن هذه الروح التي هي مرتبطة بالله وسعادتها وكمالها هما السعادة والكمال الأبديان فما الذي تكسبه الروح في هذا العالم ؟ نحن في هذا العالم بدأنا بروح منطلقة من عالم الصفاء الفطري ، أروحنا في بدايتها وتكونها وأصلها تنطلق من هذا النعيم الفطري ، القرآن حينما يتحدث عن آدم عليه السلام والجنة التي كان فيها آدم ( إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى)118 سورة طه .لا يذوق فيها نقص ، كل رغباته وغاياته وآماله الفطرية متوفرة ، آدم عليه السلام كان يعيش في هذا العالم ، هذا العالم هو عالم النعيم الفطري ، بمرور أرواحنا في عالم الدنيا الأصل والمقصود فيها هو الارتقاء إلى جنات أعلى وأسمى من الجنات التي توفرت لنا سابقاً . ليست قضية إبليس وما نتلوه من القرآن وما نزل على المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم من حديث إبليس وما جرى له مع آدم هو لمجرد أن نعرف حادثة زمانية جرت على أبينا آدم كالأب الذي يحدث أبنائه عن أجداده . . لا ، القرآن لا يحدثنا عن قصص الآباء والأجداد حتى نفهم من قضية آدم أنها قضية حدثت لآدم الآن لو تركنا كل التفاصيل جانباً لكن يمكننا أن نستفيد أمراً واضحا وهو أن الله ساقنا إلى هذه الدنيا لكي نزداد مع كمالنا الفطري كمالاً ، ومع صفائنا الفطري صفاءً ، ومع معرفتنا الفطرية معرفة ، ومع ارتباطنا الفطري بالله ارتباطاً ، ومع محبتنا الفطرية لله حباً ، وإلاّ عادت علينا هذه الدنيا وبالاُ.

حالات الروح في عالم الدنيا :
نحن في حالاتنا مع هذا الموجود الثمين،مع هذه الدرة الربانية التي هي الروح في صفائها الفطري لنا معها ثلاث حالات :

الحالة الأولى: حالة اللهو والغفلة والانشغال بالأمور المادية الدنيوية والمعيشية بدون أن نتجاوز أمر الله ، بمعنى أن نكتفي أن نقدم على الأعمال في حدود الشرع دون أن نتجاوزها ، ولكننا نكون مشغولين بأمور هذه الحياة ، بل نتصور أننا حين نقوم بأعمالنا الشرعية الواجبة علينا بهذه المرحلة ، أي نؤدي ما علينا من صلاة وحج وصيام ونحن في حقيقتنا غافلون ، هذا ممكن بل لربما هو الغالب علينا – على عامة الناس غيركم – يقوم بآداء الصلاة لكي لا يعاقب على تركها ولكنه لا ينال من ورائها شيءً .

الحالة الثانية :
هي أن الانسان يضيف على هذا الصفاء الفطري الذي جاء به إلى عالم الدنيا كدورة وقذارة بتجاوزه لحدود ما أمر الله حينما يغتاب ويكذب ويتجاوز حقوق الآخرين ، حينما يقضي وقته في أمور محرمة فإن نتيجة هذه الحالة أن ذلك الصفاء الفطري يحاط بهالة من الشوائب والكدورات ما قد يتحول والعياذ بالله مع التكرار والمداومة إلى حجاب لا يمكن أن ينفـك .

الحالة الثالثة : وهي ما نسعى إليه ونتمناه ونرجوه ونتحرك من أجله ، وهي أن نسوق معارفنا وادراكاتنا وأفكارنا إلى الاستزادة من التعلق بالله ، المحب يحب حبيبه لكن إذا كان المحبوب كاملاً ؛ فكلما ازداد به معرفة وازداد فيه تفكراً وازداد له ذكراً ازداد له حباً وهذا ما أسميناه بالفتح العقلي .

كيف نحقق بالحالة الثالثة فتحا :
إذا نحن جمعنا إلى جانب هذا التفكير عملاً بما أمر الله وآداء لما سنه المصطفى صلى الله عليه وآله من عبادات وأخلاقيات فإننا نكون قد وجهنا إلى هذه الروح رسائل كمالية أخرى تنظم إلى كمالاتها الفطرية وإذا أضفنا إلى العنصر الثاني - بعد الفتح العقلي والعملي - فتحا قلبيا مليئاً بالشوق والمحبة والأدب مع الله ، حين ذاك نكون قد حملّنا هذا الصفاء الفطري ملاكات وكمالات جديدة تضيف إلى سعادتها سعادات ، وإلى أنسها أنسا ، وإلى صفائها صفاءً فتشرق الروح على أنوار عالم الوجود وتنطلق الروح إلى عالم الكمالات التي تتلألأ في عالم الوجود العلوي فتنال حين تخلصها وفراقها لهذه النشأة المادية حينما تنفصل هذه الروح عن عالم البدن كمالات هذا الوجود المادي بأنقى وأعلى صورها ، وتضاف إليها كمالات الوجود الروحي والمعنوي ، لهذه الغاية خلق الإنسان ولهذه الغاية يتعبد الإنسان .
ونحن في هذه الليالي المباركة ، وفي هذه اللحظات التي جعلها الله عز وجل ذات أثر مضاعف في الوصول إليه في شهر التوبة وهذا شهر الإنابة -إن شاء الله- التفتنا إلى معنى الإنابة فليس المقصود منها الإنابة من حالة الذنب إلى حالة ترك الذنب ، بل الإنابة هي من الاقتصار في النظر والتحدث والفكر والتأثر الروحي والقلبي للعالم المادي إلى النظر والتفكر والتعلق بكمالات الارتباط بالوجود اللامحدود ،للموجود المطلق ( وهذا شهر التوبة وهذا شهر الانابة وهذا شهر المغفرة والرحمة) .
والحمد لله رب العالمين


رد مع اقتباس