عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 05-31-2016, 08:23 PM
بثينه عبد الحميد بثينه عبد الحميد غير متواجد حالياً
Member
 
تاريخ التسجيل: Mar 2016
المشاركات: 91
افتراضي الفتح الرمضاني في الأخلاق والسلوك ..الدرس الرابع الفتح القلبي

خمسة دروس ألقيت في شهر رمضان المبارك عام 1421 هـ في مدينة الدمام
عن الفتح في شهر رمضان في الأخلاق والسلوك .
لسماحة الشيخ

��عبدالمحسن النمر��

الدرس الرابع: الفتح القلبي

�� بسم الله الرحمن الرحيم ��

تحدثنا في الدرس السابق عن الفتح العقلي أو ميدان الفكر والنظر والتبصر ، ميدان المعرفة واليقين .

ذكرنا أن المستفاد من ميدان التعليمات الإلهية كما في القرآن الكريم أن العبادة في الإسلام ممتزجة بالتدبر قال تعالى : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) ( 191) آل عمران
ثم ذكرنا صورة حركية لنعبر عنها بأنها صورة يتحرك بها فكر الإنسان من البحث حول معنى الخالق ثم معنى المالك ثم معنى الرب وكانت الغاية هي أن تتكون لدينا صورة فكرية وعقلية لعلاقتنا بالله عز وجل ؛ بمعنى أننا نتحول من النظرة الشركية إلى النظرة التوحيدية .
الأنبياء - عليهم السلام - والأولياء وعلى رأس الجميع المصطفى محمد صلى الله عليه وآله كان غايتهم هي تصفية العقل من شوائب الاتكال والاعتماد على شريك لله ، إذا أدركنا عقلاً وفكراً كمرحلة أولى أن كل ذرات هذا الوجود هي في خلقها لله وفي ملكها لله وفي ربوبيتها لله عز وجل نكون قد تحركنا نحو النظرة التوحيدية ، إذا نحن أغفلنا هذا الجانب فإن العبادة لا يمكن أن تتحقق بالمعنى المطلوب الصحيح .
إذن قبل الصلاة فكر !!
وقبل الصيام فكر!!
وقبل الحج فكر !!
وقبل الصدقة فكر!!
وبعد ذلك كله فكر !! ادمج عبادتك وطاعتك لله بالتفكير .
أيضا إن العقل يصل إلى إدراك يقيني مستفاد من القرآن الكريم ؛ بمعنى أن العقل والنظرة الفلسفية حينما تقطع مشوارها ومسيرتها في البحث تصل إلى هذه الحقيقة . قد يعبر عنها الفلاسفة بلغتهم وبعباراتهم ولكن النتيجة التي يصلون إليها تـنطبق مع ما ذكره القرآن الكريم .
نشير إلى بعض اصطلاحاتهم التي نلاحظ كيف أنها تعبير فلسفي اصطلاحي علمي يختلف عما ذكره القرآن الكريم .
يقول الفلاسفة : أن الوجود إما أن يكون ذاتي أو عرضي ؛ والوجود الذاتي واحد وليس في هذا العالم وجودان ، ليس في هذا الكون إلاّ وجود واحد ، هذا الوجود في أجلى وأسمى وأرفع درجاته هو وجودُ محض هو الله عز وجل الذي له الوجود والذي هو حقيقة الوجود وهو الله . صفات الخير والكمال هي من آثار ذلك الكمال ، الوجود كله محض الخير . ما عدا الله فهو ذاتي الفقر أي أن حقيقة الموجودات هو الفقر ، هذه الموجودات الفقيرة هذا العدم إذا أفاض الله عليه خيراً ووجوداً وبركةً يكون له حين إذن نصيب من الكمال بقدر ما يكون مؤهلاً ، وبقدر ما تكون ماهيته قادرة على استيعاب الوجود فإن الله سبحانه وتعالى يجعل فيه وجوداً ، حينما يفيض الله الوجود على المعلولات المفتقرة ، التي فقرها ذاتي بمعنى أنه لا يتصور لها حالة من الحالات ينفك عنها الفقر قبل أن يفيض الله عليها من نعم وجوده كانت فقيرة ومحتاجة وبعد أن يفيض الله عليها لا تتغير ولا تخرج من إطار الفقر والحاجة بمعنى أنه لا ينقلب الذاتي فيتغير إلى عرضي .
الخلاصة : التي يمكن أن نفهمها من هذا الكلام أن هذه الموجودات التي يظهر فيها أشكال الخير والقوة والاستطاعة والرحمة والعطاء والقدرة والتدبير كلها وفي كل حال وفي كل آن لا تملك إلاّ الفقر وما بها من خير وكمال هو من الله عز وجل له الخلق وله الأمر قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ ) 15 فاطر
هذه الحقيقة التي يعبر عنها بالفطرة التوحيدية التي تستفاد قرآناً وأيضاً ينطبق العقل السليم في النظر إليها ، هي ما يفترض أن تكون حية في عقولنا . إذا جمعنا هذه النظرة الفكرية والقـناعة القرآنية التي يتقبلها ويؤمن بها العقل من جهة وضممناها من جهة أخرى إلى ما ذكرناه من الفتح الأول وهو الفتح العبادي العملي السلوكي ودمجنا هذين المركبين العقلي من جهة والعملي من جهة أخرى
فإنه إحتماً وتلقائياً سوف ينشأ من هذين المركبين مركب وأمر ثالث وهو ..
الفتح الثالث :الفتح القلبي ميدان القلب السليم .
إذا ضممت في ثناياك طاعة جوارحية وهي التي أشرنا إليها في الفتح الأول ، أقدمت على ما أمر الله وتركت ما نهى الله عنه بقدر مكنتك واستطاعتك - ذكرنا بعض الأمور التي يفترض في رمضان أن تكون أساسية - إذا أديتها ولو بالصورة الصحيحية الظاهرية وضممت إليها نظرة عقلية سليمة فإن ميدان ثالث يكون جاهزاً للفتح وهو ميدان القلب .
الفتح القلبي أعسر حالاً من الفتح العقلي ، والفتح العقلي أعسر حالاً من الفتح العملي والعبادي .
إذا كان الإنسان رغم امتلاكه فكراً سليماً وعقلاً صافياً ويستطيع أن يتحرك في مراحل النظر والفكر ولكن لم يضم إلى ذلك عبادة وطاعة لله فإنه لا ينشأ فتحاً قلبي . كما لو أن الإنسان كان له حركة عبادية ولكن لم يضم إليها تفكيراً فإنه لا ينشأ فتحا عقلياً فالفتح العقلي ينشأ من أمتزاج هذين الأمرين . ما الذي ينشأ إذا نحن أدينا دورنا في مجال الحركة العبادية ودورنا في مجال الحركة العقلية ؟ ما المقصود بالفتح القلبي ؟
الفتح القلبي :
هو مركز الاحساس والمشاعر ، الفرح والحزن والحب والبغض والأنس والانشراح والتلذذ والذوبان في الله ، الفناء في الله عز وجل ، ولا يتحقق شيء من هذه الأمور إلاّ في مراحل الفتح القلبي قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون) (2) الأنفال
بهذا التصور وبهذا الإدراك يمكن أن نتحدث الآن عن آثار هذه النظرة التوحيدية التي تندمج في عبادة الإنسان فينشأ منهما فتحاً قلبياً .
يتبع ..

التعديل الأخير تم بواسطة بثينه عبد الحميد ; 06-01-2016 الساعة 02:08 AM
رد مع اقتباس