الفتح الرمضاني في الأخلاق والسلوك ...الدرس الثالث الفتح العقلي2
تابع الفتح العقلي:
الحركة الفكرية في التعرف على الله :
النقطة الأخيرة هي أننا نريد أن نخرج من هذا الدرس بحركة وهي في أي شيء نتفكر ؟؟ وما المقصود من التفكر ؟؟
الدرس يقول لنا الأمر يسير وممكن ، لكن من أين يبدأ هذا اليسير وكيف نبدأ ونتحرك ؟ إن في تدبر الإنسان وأن يضع الإنسان في نفسه فرض لمسألة نفسه وللنظر في علاقته بالله والتعرف على الله عز وجل باب واسع وكبير .
سنطرح هنا حركة فكرية في التعرف على الله على ثلاث خطوات – نسأل الله الاستفادة الحقيقية منها وأن تكون واضحة –
أولاً : الله سبحانه وتعالى هو الخالق .
ثانياً : الله عز وجل هو المالك .
ثالثاً : الله لا إله إلاّ هو الرب .
نحن إذا مضينا مع هذه الثلاث خطوات كما نستفيدها من القرآن ومن تعاليم أهل البيت عليهم السلام ؛ سيكون لنا حركة في تغير مرحلة تفكيرنا .
المرحلة الأولى : إن الله هو الخالق وهذا أمر لا شك فيه ولا يخفى علينا ؛ إذن فيماذا نتفكر ؟! يقول الله تعالى : ( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ ۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)( الأنعام الأفلاك أشياء ، السماوات أشياء والأرض أشياء والقوى الموجودة والآثار التي تمتلكها هذه الأمور أشياء ، تصرفات ما حولنا أشياء ، أفعال ونتائج ما حولنا أشياء ، كل ما له حظ من الوجود هو شيء ، خالق هذا الشيء هو الله عز وجل . كل ما في هذا الوجود خلق الله وكل ما في هذا الوجود شيء وكل شيء هو خلق الله وليس في هذا الوجود شيء أوجده غير الله لا كائن علوي أو سفلي ولا قول ولا عمل إلاّ وهو شيء الله خالقه فاعبدوه وتوكل عليه ، فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل . كل هذا هو المرحلة الأولى أن لا نرى في هذا الوجود شيء إلا ونعلم أنه خلق الله .
المرحلة الثانية : أن الله مالك هذه الأشياء ولم يخلق الله هذه الأشياء ثم خرجت عن حد ملكه وأصبحت هي المتصرفة بل إن ملكها لله عز وجل ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ ۚ قَوْلُهُ الْحَقُّ ۚ وَلَهُ الْمُلْكُ ) (73)الأنعام .الأشياء كلها ملك الله عز وجل ليس هناك ما يضر ولا ما ينفع ولا ما يرجى ولا ما يخاف وقد أصبح لأحد فيه شريك مع الله .
المرحلة الثالثة : أن الله عز وجل هو الرب ، الرب هو المالك السيد ؛ الرب تتضمن معنى العناية والجذب والتربية بحيث أن الله هو المربي ويوجد التعليمات والإرشادات والأجواء والظروف التي تأخذ بيد المربى وتسير به إلى التكامل . المربي هو من يوفر ظروف التكامل وبلوغ الغايات .
نحن إذا ضممنا هذه الثلاث أمور أن الله هو الخالق وهو المالك وهو الرب لرأينا أن في كل شيء يقع أمامنا يد إلهية تجذبنا إليه . أليس كل شيء خلقه ! أليس كل شيء ملكه ! أليس هو بهذه الأشياء يجذبنا إليه ! لنتعلم من أنبياء الله عز وجل ، يوسف عليه السلام مرّ بتجربة لم يمر بها نبي بل ولا حتى إنسان عادي ؟! ألقي في غيابة الجب ، أي في بئر عميق ولا ندري كم بقي هناك ؟ ولا ندري كم سنة بقي في العبودية ثم ألقي في السجن ، ولا ندري كم سنة بقي في السجن . هذه الأمور عَلِم يوسف عليه السلام أنها من الله ؛ خلقه وبيده وملكه ورعايته وتربيته له( فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ) ( 100) يوسف. الله أراني وعلمني أنه سيدي ومولاي أخذ بيدي إلى الكمال (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ) (100 ) يوسف .الله يعلم خفاي الأمور ، اللطافة هو الشيء الخفي – في الأمور المادية - الذي يدق ولا يرى بسهولة . الله سبحانه من باب التمثيل والتوضيح إذا كان الإنسان ذو نظرة دقيقة يدرك بها صغائر الأمور وهو يدير الأمور بصورة تحيط بالأشياء وتجريها على نسق خفي غير مرأي . إن اللطيف كما تتضمن هذا المعنى فهي تتضمن معنى الرأفة ، الله سبحانه وتعالى يجري الأمور عل نحو خفي وعلى نحو رؤوف بعباده ( إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) يوسف(100) الله في تقلب هذه الأحوال التي مرت بي أخذ بي إلى هذا الكمال( إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ (100) يوسف .أنا يا رب مؤمن وعالم ومتيقن بلطف رعايتك لي وبحسن تربيتك لي .
لا حظوا أن في هذه الآيات شيء في غاية الجمال في بداية الآية كان يوسف يخاطب أبيه وقال يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ) ( 100) يوسف. هنا أول مر وردت كلمة " ربي " في الآية( وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) مازال الخطاب موجه إلى يعقوب ثم نلتفت إلى أن يوسف لم يعد يوجه الخطاب إلى أحد من الناس !! بداية الحديث كان يخاطب أباه لكن أخذته الجذبة الإلهية في الانتقال من الحديث إلى أبيه إلى الحديث مع ربه ؛ إن كرمك يا رب ورحمتك ، يا رب ولطفك وعنايتك بي تجعلني لا ألتفت إلى من أخاطب !!
هذه الآية فيها انتقال من النظر إلى الأشياء ، من الحديث مع الناس إلى النظر إلى الله ؛ هذا هو اسم الربوبية . نحن إذا التفتنا إلى معنى الرب لوجدنا أن معنى الرب هو أن ينتقل الإنسان من تفسير الأشياء بالنظر إلى دور وآثار المخلوقات وبالتالي الطلب والحاجة إلى المخلوقات ومد يد المخلوقات ؛ إلى النظر إلى خالق وموجد ومالك المخلوقات إلى ربي وسيدي ومولاي ومعطيي ورازقي وحارسي . أما إذا نظرنا إليها على نحو كما ينظر - والعياذ بالله - الأعور إلى الأشياء فإنه لا يدرك إلاّ جزء الحقيقة إنه يرى الأشياء ويرى المؤثرات . أما الإنسان ذو البصر السليم فإنه يرى أن كل شيء من الله . خالق ومالك الأشياء هو الله . هذا القدير القوي الذي بيده كل شيء إنما تقع الأشياء لكي يجذبنا إليه ، لكي يرينا فضله ونعمه !!
إن كل هذا الكون وكل ما يحدث فيه هو لأجل شيء واحد وهو أن الله يريدنا له ( خلقت الأشياء لك وخلقتك لي ) كل هذه الأشياء هي كرامات وكل هذه الكرامات هي من أجل أن نلتفت إلى الله عز وجل .
نسأل الله بحق المصطفى محمد وآله أن ينير قلوبنا في هذا الشهر الشريف لمعرفته والتفكر في رحمته وعطائه وعبادته وأن يقضي حوائجنا وحوائج المؤمنين .
|